موانع المسؤولية في القانون الأردني

موانع المسؤولية في القانون الأردني

تعد المسؤولية القانونية من المبادئ الأساسية في كل نظام قانوني، وهي ركيزة أساسية لتحقيق العدالة وتطبيق القانون. في القانون الأردني، تتنوع أسباب وأشكال المسؤولية القانونية، إلا أن موانع المسؤولية تشكل جانباً مهماً في تحديد مدى قدرة الشخص على تحمل المسؤولية عن أفعاله. يتناول هذا المقال موانع المسؤولية في القانون الأردني، موضحاً الأنواع المختلفة لهذه الموانع، كيفية تطبيقها في الواقع القانوني الأردني، وآثارها القانونية.

تعريف المسؤولية القانونية

المسؤولية القانونية هي التزام الشخص بتحمل النتائج القانونية لأفعاله أو إغفاله. يشمل هذا الالتزام مسؤولية الفرد أمام القانون نتيجة لارتكابه مخالفات أو أفعال تضر بالمجتمع أو بالأفراد الآخرين. تتعدد صور المسؤولية القانونية لتشمل المسؤولية الجنائية، المدنية، والإدارية، وكل نوع من هذه الأنواع له قواعده الخاصة.

موانع المسؤولية في القانون الأردني

المسؤولية لا تكون قائمة في بعض الحالات، وهي حالات يتم فيها منع الشخص من تحمل المسؤولية على الرغم من وقوع الفعل. موانع المسؤولية في القانون الأردني تشمل عدة حالات، أبرزها: الجنون، القوة القاهرة، الخطأ غير العمدي، الإكراه، والحدث. سنتناول كل من هذه الموانع بالتفصيل في هذا المقال.

1. الجنون

يعد الجنون من أبرز موانع المسؤولية في القانون الجنائي الأردني، حيث ينص القانون على أن الشخص الذي يعاني من مرض عقلي أو اضطراب نفسي، يمنع من تحمل المسؤولية الجنائية عن أفعاله. وفقاً للمادة 68 من قانون العقوبات الأردني، يُعد الشخص مجنوناً إذا كان لا يملك القدرة على التمييز بين الخير والشر وقت ارتكاب الجريمة.

إلا أنه لا يُعتبر الجنون مانعاً للمسؤولية إلا إذا كان الشخص في حالة فقدان تام للقدرة على التمييز بين الأمور، أي أن الشخص الذي يعاني من مرض عقلي ولكنه لا يزال يملك القدرة على إدراك تصرفاته يظل مسؤولاً عن أفعاله. بالإضافة إلى ذلك، يشترط في الجنون أن يكون ثابتاً ومستمراً، أي أن الشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي مؤقت قد لا يُعتبر معذوراً بموجب هذه المادة.

2. القوة القاهرة

القوة القاهرة أو الظروف الطارئة تعد من الموانع التي تعفي الشخص من المسؤولية القانونية إذا تعرض لظرف مفاجئ لا يمكن تفاديه. تشتمل القوة القاهرة على الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، الفيضانات، أو أي حدث غير متوقع يؤدي إلى عجز الشخص عن القيام بما هو مطلوب منه.

المشرع الأردني يعفي الشخص من المسؤولية في حالات القوة القاهرة بموجب المادة 56 من قانون العقوبات، حيث يمكن للشخص أن يبرر تصرفه الذي يتنافى مع القانون إذا كان قد ارتكب الفعل تحت تأثير الظروف القاهرة التي جعلت من المستحيل عليه التصرف بغير ذلك.

3. الإكراه

الإكراه يشمل الضغط النفسي أو البدني الذي يُمارس على شخص آخر لدفعه إلى ارتكاب جريمة أو فعل مخالف للقانون. إذا كان الشخص قد ارتكب الجريمة نتيجة لإكراه مادي أو نفسي، فإنه يُعفى من المسؤولية الجنائية وفقاً للمادة 71 من قانون العقوبات الأردني.

الإكراه المانع من المسؤولية يمكن أن يكون إكراهاً ماديّاً، كما في حالة التهديد بالعنف أو السجن، أو إكراهًا نفسيّاً، مثل التهديد بالقتل أو الضرر النفسي الكبير. ومن المهم أن يكون الإكراه قويًا بحيث لا يتاح للشخص مقاومته أو التصرف بصورة مغايرة.

4. الحدث (الصغر)

يُعتبر الحدث أو الصغر من أهم موانع المسؤولية في القانون الجنائي الأردني. ينص القانون على أن الشخص الذي لم يبلغ سن الرشد (18 سنة) لا يُعتبر مسؤولاً عن أفعاله الجنائية بنفس الطريقة التي يُعامل بها الشخص البالغ. ويستند هذا إلى ما نصت عليه المادة 72 من قانون العقوبات الأردني، التي تُعفي الأحداث من المسؤولية الجنائية عن الأفعال التي يرتكبونها، إلا إذا ثبت أنهم قادرون على التمييز بين الصح والخطأ.

وفي حالة ارتكاب الحدث لجريمة، يتم اتباع الإجراءات الخاصة بالأحداث والتي تشمل التوجيه والإصلاح بدلاً من معاقبته بعقوبات كبيرة قد تؤثر على مستقبله.

5. الخطأ غير العمدي

الخطأ غير العمدي أو الخطأ الذي يحدث دون قصد هو أيضاً أحد موانع المسؤولية. إذا ارتكب الشخص فعلاً خاطئًا دون أن يكون لديه نية إجرامية أو قصد جنائي، فإنه يمكن أن يُعفى من المسؤولية الجنائية أو المدنية وفقاً للظروف الخاصة بالقضية.

وفي القانون الأردني، إذا كان الخطأ غير عمدي، فإن الشخص قد يتحمل مسؤولية مدنية ولكن لا يتحمل المسؤولية الجنائية، حيث يتم تطبيق مبدأ “عدم وجود النية” على الجريمة التي ارتكبت نتيجة للخطأ غير العمدي. في بعض الحالات، يتم فرض غرامات أو تعويضات بدلاً من العقوبات الجنائية.

تأثير موانع المسؤولية على المحاكم الأردنية

تؤثر موانع المسؤولية في الأردن بشكل كبير على الحكم في القضايا الجنائية، حيث يلجأ المحامون والقضاة إلى تقييم ما إذا كانت تلك الموانع تنطبق على المتهم. في حال ثبوت أن أحد موانع المسؤولية ينطبق على المتهم، فإن الحكم قد يتغير من عقوبة جنائية إلى تبرئة أو حكم أخف. مثل هذه الموانع تشكل حجر الزاوية في حماية حقوق الأفراد من العقوبات الظالمة.

موانع المسؤولية في المسؤولية المدنية

تسري موانع المسؤولية في بعض الأحيان على المسؤولية المدنية أيضاً. فالشخص الذي يرتكب ضرراً للآخرين نتيجة لجنون أو إكراه أو حادث غير متوقع قد يُعفى من دفع تعويضات مالية. ولكن، لا يُعتبر أن موانع المسؤولية تُلغِي تماماً المسؤولية المدنية في كل الحالات؛ فقد تتطلب المحكمة في بعض الحالات تقييماً خاصاً لتحديد ما إذا كان الضرر الذي وقع نتيجة لتلك الموانع.

استنتاج

إن موانع المسؤولية في القانون الأردني تمثل قاعدة هامة لضمان العدالة وحماية الأفراد من العقوبات غير العادلة. من خلال تحديد حالات معينة يعفى فيها الشخص من المسؤولية القانونية، يوفر القانون الأردني ضمانات للأفراد ضد العقوبات التي قد تكون غير عادلة في ظروف معينة. ورغم أن موانع المسؤولية لا تُحَل بشكل مطلق في كل الحالات، فإنها توفر إطاراً قانونياً للتمييز بين الأفعال التي تستحق العقاب والأفعال التي تمت في ظروف خارجة عن إرادة الشخص.